نستعرض معكم لفتة هامة بقلم المهندس فواز طالب زيدان بعد زيارته الأخيرة لمالطا يتحدث فيها عن الجالية السخنية هناك ببعض التفصيل ليروي لنا مشاهداته وملاحظاته عن حيز كبير لكيفية حياة السخاني في مالطا.
مالطا
جمهورية مالطا وهي دولة أوربية تقع في البحر الأبيض المتوسط وهي واحدة من أصغر دول العالم وأكثرها من حيث الكثافة السكانية وتبلغ مساحة مالطا 316كم2 , عاصمة البلاد \فاليتا\ وهي أصغر عواصم الدول الأوربية وتبلغ مساحتها 8 كم2, لغتها الرسمية المالطية والإنكليزية , ويسمى سكانها بالمالطيين.
نظام الحكم فيها جمهوري برلماني تأسست في عام 1964 وانضمت إلى الإتحاد الأوربي عام 2004 وعملتها الليرة المالطية سابقاً أما الآن وبعد دخولها الإتحاد الأوربي أصبحت عملتها اليورو وتضم أربع جزر ثلاث منها مأهولة (مالطا, غوزو, كمونا) وواحدة غير مأهولة وتسمى (فليفلة) حيث تعاقبت على مالطا عدة حضارات منها الفينيقية , والرومانية , والبيزنطية.
فتحها المسلمون الأغالبة في القرن الثامن وهيمن عليها النورمان ثم احتلها نابليون سنه 1798 وخضعت لحكم الإنكليز سنة 1800 , هويتها المالطية مزيج من ثقافات متنوعة ومعمارها أوربي مع لمسة عربية إسلامية , أما المفردات العربية في لغتها فهي خليط هجين من عبارات شامية ومغاربية و تونسية عامية.
السياحة هي ركيزة اقتصادية فيها إذ تستفيد من شواطئها الخلابة مثل الخليج الذهبي وخليج غديرة وبلدة المدينة وتزخر بالآثار والمعالم التاريخية مثل قصر فلهينا وكاتدرائية سانت باول, أما منطقة سليمة فتشتهر بمولاتها الفخمة إضافة إلى المقاهي والمطاعم الفاخرة , ومالطا دولة ذات أغلبية مسيحية , وتكثر فيها القلاع القديمة التاريخية والكنائس والحصون , وتتميز شرفاتها بشكل متميز و يحافظ أهلها عليها بشكل كبير وتسمى الغلاريا وشوارعها ضيقة وجميلة.
تواجد السخاني في مالطا
وفد إليها السخاني بقصد العمل منذ عام 1991 وكان أول من دخل إليها رياض الخطيب في الشهر الثامن من عام 1991 ويذكر قصة دخوله إلى مالطا والصعوبات التي رافقت زيارته من سورية إلى مالطا عبر مطار دمشق الدولي حين دخوله إلى هذا الجزيرة الصغيرة , والبحث عن عمل إلى أن وفقه الله في عمل وكان أجره اليومي لايزيد عن سبع ليرات مالطية تعادل يومها واحد وعشرون دولار وفي عام 1992 دخل 6 من أبناء مدينة السخنة هم حسب ما ذُكر لي (بريهم السليمان , مسيعد الهندي , خالد عواد العرب , وقدور الكمادش , وعليان ضيف الله).
إلا أنهم لم يستمروا بالبقاء في مالطا وأجبروا على مغادرتها. وبعد ذلك بدأ شباب من مدينة السخنة بالوصول إلى مالطا ففي نهاية العام 1993 وصل عددهم إلى خمسة وثلاثين مهاجراً من أبناء مدينة السخنة وبدأ هؤلاء بتأمين وصول عائلاتهم بطرق التهريب عبر تركيا ومن ثم اليونان أو بلغاريا أو ليبيا حيث ازدادت العائلات بشكل كبير جداً وكانت هجرتهم مليئة بالمصاعب والخطورة سواء بالبر أو البحر وما لاقوه هم وعائلاتهم من قسوة الطقس لأنه كان عبورهم أيام الشتاء , وقسوة درك الحدود أحيانا أخرى بالإضافة إلى جشع المهربين , لينتهي بهم المطاف ضمن تجمعات سكنية أو مخيمات أو ما يعرف بالكنب والذي تفرضه عليهم الدولة المضيفة حيث تتراوح مدة بقائهم لأشهر ومن ثم يتم إرسالهم إلى الدول الأوربية أو المغادرة تهريبا , فيكون عندها المهجّر قد خسر الكثير من الأموال حتى يصل إلى مبتغاه لطمع المهربين وكثرتهم.
إحصاء السخاني في مالطا
تم إجراء إحصاء لأبناء الجالية السخنية في العام 2019 أجراه المهندس فواز طالب زيدان نورده لكم في هذا التقرير المرفق في الصورة.
علما بأن عدد سكان الجالية السخنية ازداد بنسبة كبيرة عن العام 2019 وسنعمل على تجديد الإحصائية بشكل دقيق لاحقا بمشيئة الله.
شكل أبناء مدينة السخنة نسيجا متجانسا محافظا على العادات و التقاليد التي ورثناها فتراهم يقفون إلى جانب بعضهم البعض في التعازي والأفراح بروح تسودها المحبة والوئام والحرص منهم على الحضور بشكل كبير, حيث استاجروا مقر لمسجد وصالة تقام فيها التعازي والأفراح تكتظ هذه الصالة بالشباب المغتربين وهناك محدثون في العزاء يقومون بوعظ الشباب وحثهم على التقليل من المشاكل اليومية وعلى حسن المعاملة مع المالطيين وغيرهم من المهاجرين والظهور بصورة مثالية وأذكر ثلاثة ممن استمروا في توعية الشباب وهم (حسين محمد علاوي الرجى وهو خطيب الجامع , ومتعب حسن حامد الحاج , وزكريا الخطيب) أما مؤذن الجامع فهو محمد المحسن العلاوي.
المسجد الوحيد في مالطا المرخص أصولا يقع في منطقة باولا, وشيد على نفقة الرئيس الليبي معمر القذافي ويحتوي على مدارس للعلوم الشرعية والعلوم العامة وتقام هناك دورات للأطفال ومدارس لهم , ويوجد بجواره المقبرة الإسلامية التابعة له على مساحة لا بئس بها وبها مقر الدعوة العالمية الإسلامية , تصرف دولة ليبيا مرتبات الإمام وتؤمن سكنه في المسجد ويوجد عدة مساجد غير مرخصة وهي عبارة عن صالات مستأجرة.
لم يدخل إلى مالطا الكثير من المعمرين أو كبار السن سوا السيد حسين الحميداوي وعدد من المهاجرين أصغر منه سناً لا يتجاوزون الثمانية أشخاص أما جميع من وفد إلى مالطا من فئة الشباب وأصبحت الأعداد بالتزايد لهؤلاء وبقصد العمل إذ أصبحوا يشكلون نواة اقتصادية ذات أهمية كبيرة في رفد العائلات في سورية ودول أخرى في المهجر, كما ساعدوا الكثير من المحتاجين على العيش في ظروف الحرب الصعبة وتبعاتها التي أتعبت الناس اقتصادياً واجتماعياً, فلا تجد عائلة في سورية إلا ولها ابن أو أكثر في مالطا أو ألمانيا أو غيرها من الدول الأوربية ولكن مالطا كانت ذات أهمية كبرى للعدد المتزايد من الشباب وعائلاتهم للجوء إليها.
شكل أبناء مدينة السخنة وأسسوا موقع لهذه الجالية على شبكات التواصل الاجتماعي باسم الجالية السخنية في مالطا في عام 2019 يعُنى بكل ما يحصل لهذه الجالية من وفيات وزواج وولادة وحتى إدراج زاوية لذكر المساعدات التي تحتاجها بعض العائلات في سورية وأحد مؤسسيها عبود علي الحمود أبو سارة.
يقوم أبناء السخنة بتسجيل أبنائهم في المدارس والجامعات والمعاهد المهنية , ويتابعون تحصيلهم العلمي بشكل كبير والإهتمام بهم ومن الشباب من اقتحم ميادين الرياضة ليصبح عضوا في نادي الناشئين المالطي بكفاءة وهو الشاب الحارث حمدي حسن حميداوي.
العديد من أبناء الجالية من تزوج من نساء مالطيات وأنجبوا الأطفال, والبعض منهم ساعده هذا الأمر على الحصول على الجنسية المالطية وهم ليسوا بالكثر , وذلك لصعوبة الحصول على الجنسية المالطية.
واستطاع العديد من أبناء الجالية من شراء منازل في مالطا مبتعدين في ذلك عن الاستئجار لارتفاع أسعاره في الآونة الأخيرة نظرا لتوافد الكثير من الجنسيات الأخرى كالباكستانيين والهنود والأفارقة ، وأما سوق العمل فهو متوفر لجميع الشباب وبشكل كبير للراغبين في العمل وأهمها أعمال البناء والإكساء نظرا للرطوبة المرتفعة والتي تؤثر على البناء مما يوفر للعمال حيزا كبيرا مستمرا لتجديد أعمال الإكساء بشكل كبير.
شُكلت لجان لفض النزاعات بين العمال وأرباب العمل سواء من السخاني لكن لم يتوفقوا لإيجاد وتشكيل لجنة دائمة لذلك وهم بحاجة ماسة لها وذلك للحفاظ على حقوق العمالة ودفع أتعابهم دون مماطلة ولا حتى حرمان العامل من مستحقاته وهذا ما يثير المشاكل التي حصلت وتحصل مع الأسف بين أهالي الجالية السخنية تارة وبين الآخرين والتي بنتائجها أحدثت شرخا كبيرا بين الأهالي والقوة الأمنية (الشرطة المالطية) , مما يلُحق بالجالية السمعة غير الحسنة , وهذا ما تم تداوله بين المالطيين أنفسهم وامتعاظهم من هذه الإشكاليات غير المدروسة.
إذ بدأت تأخذ منحاً سلبيا للعلاقة الوطيدة التي كانت سائدة قديما وهي علاقة قوية لا تشوبها أي شائبة مع السوريين بشكل عام والسخاني بشكل خاص. لذلك كان المتوجب على الشباب عدم الانزلاق بهذه المنازعات وأن يتحلوا بالصبر, وحل إشكالاتهم بطرق سلمية قدر الإمكان وكما ذكرنا آنفا عبر الإسراع في إيجاد لجنة من ذوي المعرفه يتمتعون بقدر كاف من الحكمة والدراية تختص بحل هذه الإشكاليات التي يكون أغلبها مادية تتعلق بإجور العمالة وأن يعطى العامل حقه قبل أن يجف عرقه من قبل أرباب العمل درئاً لأي إشكال قد يحصل تيمننا بحديث الرسول محمد صل الله عليه وسلم : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. وفي رواية أخرى حقه بدل أجره. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وهذا الأمر لا ينطبق على جميع الناس بل هناك البعض وهم قله , آملين من الله أن يكونوا على قدر من المسؤولية اتجاه من يعمل لديهم وأن يؤدوا مالهم وما عليهم من حقوق.
لافتين النظر إلى أنه لم يحصل أي إشكال مع المالطيين وهذا أمر جيد وحتى مع المهاجرين الآخرين إلا نادرا حيث اقتصرت هذه الإشكالات بين أفراد الجالية السخنية فقط.
يتمتع غالبية المالطيون بالروح الإنسانية العالية ومعاملاتهم مع أبناء الجالية بشكل طيب , هذا ما أخبرنا الجميع به , وهذا ما لمسناه , وهذه مقولة قديمة للمالطيين تعني الطيبة والعفويه التي يمتلكونها : مالطا حنينة خبزة وسردينة.
يعتني المالطيون ببيوتهم بشكل كبير فتجد بيوتهم بشرفاتها الملونة أحيانا والبعض منها تأخذ طابعا أثريا قديما , وفي كل بيت تجد أن كراج السيارة من الضروريات وقلما تجد بيتا لا يحوي على الكراج . ويحافظون على نظافة شوارعهم , وغالبية السكان يملكون المزارع لزراعتها أو للإستراحة بها في العطل الأسبوعية , وسكان قرى الجزيرة يربون الأبقار والماعز والأغنام.
يقطن أبناء الجالية السخنية في أحياء متفرقة من مالطا فالتواجد الأكثر للشباب في حي الحمرون مع قليل من العائلات أما التواجد الأكبر للعائلات في حار أورمي , و بير كركارا , ومسيدا ,ورحل جديد , والفقورا, والزبار, وسانتافنترا, وبعض الأحياء الأخرى والقليل يسكن جزيرة غوزو وهي جزيرة تتبع لمالطا.
فتح بعض السخاني من أبناء الجالية السخنية محلات تجارية تعُنى بالمواد الغذائية وغيرها من المستلزمات التي تخص السخاني والتي لا يمكن إيجادها في السوق المالطي بل يتم استيرادها من تركيا وسورية وبعض الدول الأوربية نذكر منهم عليوي الفنجان وأحمد الفارس و مصعب النهار وهناك أيضاً محلات للحلويات والألبسة وبيع الخضار وغيرها.
ومن أبناء الجالية السخنية من تفوق في مجال المقاولات وذلك لاكتسابه المهارات في إدارة أعماله وعمالته واكتسابه الخبرات الجيدة وغالبيتهم ذوي مسموعيات طيبة. والبعض الآخر نجح في تأسيس شركة لبيع مواد البناء ومستلزماتها وهي شركة فودا والتي تتعامل مع عدة شركات مالطية ولها فرع في بريطانيا , والتي قام بها ابن الجالية السخنية فهد عبدالله عرجان إذ حققت نجاحا في عملية المبادلات التجارية مع غيرها من الشركات.
أما البعض الآخر ذهب إلى افتتاح مكتب خدمي في شارع الحمرون للخدمات العامة وهي شركة الدليل للخدمات العامة مثل استخراج الأوراق الرسمية و معاملات اللجوء , وقطوع الطيران لابن الجالية السخنية طالب زيدان وهو المكتب الوحيد للسخاني في مالطا.
كما استطاع أحد أفراد الجالية السخنية وهو أحمد محمد الزند من افتتاح فرن لتصنيع الخبز السياحي لأبناء الجالية بطاقة إنتاجية لا بأس بها وبأسعار منافسة وجودة في التصنيع حيث يذهب أهالي الجالية ليلا لشراء خبزهم.
في نهاية هذه المطالعة عن واقع الجالية السخنية في مالطا لابد وأن نشير إلى أن غالبية الشباب العاملين في هذه الدولة نكن لهم التقدير والمحبة لما يقدموه لأهاليهم وللفقراء والمحتاجين ومساعدتهم المرضى في شراء أدويتهم وأجور العمليات الجراحية وأجور المشافى , في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها أهلنا في أماكن سكنهم ولجؤهم , والمساعدة أيضا في بناء المدارس والمساجد ومنها المساعدة في تجهيز عيادة تحوي مختلف الأجهزة الطبية اللازمة للمرضى في السخنة الجديدة في الهورة بريف الرقة الغربي.
فهؤلاء الشباب المكافح والمتحدي لصعوبات الحياة ومما يلاقيه من آلام وخطورة عمله في مجال البناء وغيره , والذين قد فجُعنا بعدة شباب منهم وهم يزاولون عملهم وفقدوا حياتهم من أجل لقمة العيش وكما يقال: لقمة مجبولة بالدم. يطوي الأيام مجاهدا مبتعدا عن الأهل والأقارب في سبيل توفير الحياة السعيدة لأبنائه وذويه فهؤلاء من ترفع لهم القبعة احترما وتقديرا ..حفظهم الله وسدد خطاهم..
بقلم المهندس فواز طالب زيدان
يمكنكم تحميل هذا المقال
الجالية السخنية في مالطا بقلم المهندس فواز طالب زيدان.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق