الموقع الإلكتروني الخاص بصفحة السخنة الحدث والذي يتضمن نشر كافة المنشورات المهمة والمقالات الخاصة والتاريخية لمنطقة بادية السخنة وريفها والقرى التابعة لها ، مقالات أخبار ومقالات تتضمن تاريخ المنطقة وخاصة عن مدينة السخنة قديما

آخر الأخبار

الأحد، 25 أكتوبر 2020

لمحة لحياة رجل على مر السنين ، حج كمادش ومسيرة حياة ، بقلم محمد عواد

هنا في هذه الأسطر القليلة نوضّح نبذة عامة عن رجل كابد عناء هذه الدنيا وعاش تفاصيل فرحها وحزنها  : 

 الاسم :     محمد محمود عواد الضيف الله

اللقب:      (كمادش ، قمادش ، أبو بدر )

مواليد : سوريا _ مدينة السخنة بداية ثلاثينات القرن الماضي.


لمحة لحياة رجل على مر السنين ، حج كمادش ومسيرة حياة ، بقلم محمد عواد


ليس غريباً على مدينة السخنة أن تُخرِّج الكثير من الأعلام والرِجالات الأماجد الذين صابروا وكابدوا قسوة طبيعتها فحَاولت أن تعرِكهم وتجعلهم ينفرون منها فعركوها ، وشقّوا طريقهم وسط تلك الصحراء وتغلّبوا على أشدّ الظروف فيها (فمَن مِنّا لم يسمع عن تلك الحقبة التي كان فيها خبز الشعير والدبس فقط  في البيت ولا يوجد غيرها ؟  بل مرّت أيام لا يكاد يجد فيها هؤلاء خبز الشعير وتلفح وجوههم غبار الصحاري لعدم وجود أبنية إلا اللبن والطين ! ولك أن تتخيل ليالي الشتاء والعواصف التي تخلط مياه الأمطار مع التراب فيجعل البيت أشبه بالمستنقع المليء بالوحل ).


لمحة لحياة رجل على مر السنين ، حج كمادش ومسيرة حياة ، بقلم محمد عواد

وفي خبر ذهاب آبائنا السخاني إلى الجبال لقطع الحطب وبيعه والمسير بالبراري لتأمين لقمة العيش كلمات أليمة وليالي مريرة  وأيام يظنها الناس اليوم خيال وخرافات !  وكم منهم بات ملتحف السماء مفترشاً الأرض وربما لا يأتيه الطعام أياماً لعدم عثور رُسل أهله الذين يجلبون له (الزهاب_طعام مؤونة) أياماً  فليس هناك وسيلة أتصال. 

أما خبر ذهابهم في رحلات التجارة إلى العراق وقطعهم لطرق الحماد السوري وخبرتهم الطويلة فيها ، فلها قصص فريدة وبطولات كم كان في خاطري أن أملك الوقت لإنشاء كتاب يتحدث عن كل أسم من أسماء آبائنا الذين كانوا يقطعون تلك المسافات. 

بحقٍّ والله ذلك الجيل صَابَرَ أقسى الظروف ولم يتغيّر بعد أن يسّر اللهُ عليه الحال. 

فيروي لي الكثير من الأصدقاء عن آبائهم كم كانوا حازمين ولم يتغيروا بمرور الأيام وتحسّن الحال. 

●ومن ذلك الجيل الطيب الذين افتقدنا معظمهم (محمد محمود عواد الضيف الله) (كمادش أبو بدر).


لمحة لحياة رجل على مر السنين ، حج كمادش ومسيرة حياة ، بقلم محمد عواد


كان مُعايشاً لتلك الحقبة وبدأ حياته من بداية ثلاثينات القرن الماضي  فسار مع والده(محمود عواد الضيف الله) على ما نشأ عليه أهل بلده  ولمّا صلُب عوده وأشتدّ أخذ يعمل بجِدٍّ ونشاط فما ترك وسيلة مشروعة لتأمين حياة أهله إلا وسار عليها. 

فلمّا تيسّر عليه الحال اشترى بعيراً (ناقة) وأخذ يذهب بها للعراق تاجراً.



يحمل من بضائع الشام ويبيعها في العراق وعند العودة للشام يأخذ من بضائع العراق المتنوعة ويبيعها في الشام (قماش  وغيره).

روى لي رحمه الله قبل فترة قصيرة من وفاته عن أحد تلك الرحلات كانت كلماته معبّرة ورسمها لي وكأنّي أراها أمامي وساعات من الحديث معه مرّت وكأنها دقائق فذلك الجيل كلماته طيّبة ويُستلذ بسماعها ! 

كيف قطعنا الحماد وحين نزلنا الرطبة وكيف اختبئنا من الهجّانة وكيف انقطعنا من الماء وكيف نفذ منا الطعام ولك أن تتخيل هذه النقاط !! ونحن في سيارات حديثة ونمّلُ من المسافات ونتأفف!!

فهذه لمحة عن مكابدة تجارته في تلك الفترة  وكان قد أمضى فترة في منطقة الزويرية يبيع ويشتري. 

حتى تم قطع الخط بين العراق والشام ، فاشترى أغناماً وأخذ يعمل بها ويكابد مشقّتها وليالي الشتاء القارص في مناطق البادية وأيام الحرّ الشديد. 

وهكذا قد ربّى أهل بيته على طبيعته وعلى ما كان عليه ففتح محلات لتجارة الأعلاف  في السخنة وكان بعض أبنائه في المغترب كما هو الحال في أغلب أهالي السخنة. 

فلمّا جاءت الأحداث في بلدنا نزح سكانها إلى بلاد مختلفة وكانت محطة قمادش أبو بدر مدينة الرياض (نجد)  وقد يسّر الله عز وجل له الحال وأمدّه بالخير فما غيّرت حاله وطبيعته الأموالُ ولم تملكه بل ملكها .

فمن المعروف أن الكثيرين حينما يملكون المال تتغير نفوسهم وتتعالى فلم يكن أبا بدر من هذا النوع  بفضل الله عليه بل صبّ جهده لفعل الخير حتى شهد له بذلك القاصي والداني حتى أُطلِق عليه لقب (أبو الفقراء) نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته _ولو كان حياً لما تحدثنا بهذه_

ورغم كل رفاهية العيش في موطنه الجديد إلا أن قلبه وعقله مع ذلك البلد (السخنة والبادية ) حاله كحال الأغلبية من أبناء جيله. 


لمحة لحياة رجل على مر السنين ، حج كمادش ومسيرة حياة ، بقلم محمد عواد



حيوية ونشاط وتفاعل مع الوسط المحيط به رغم المرض الشديد الذي أصابه (تجلّط) فصبر على ذلك وأخذ يتغلّب على مرضه ولم يستعمل العكازة إلا في أول شهرين من إصابته وكان عمره في هذه المرحلة فوق الثمانين فمن عبر الصحاري وقاسى تلك الظروف التي قدّمناها حُقَّ لجسده أنّ يتحمّل أكثر من التجلّط فانتصر على ذلك المرض وأصبحت حياته طبيعية بفضل الله حتى قضى الله بأن تتراكم عليه أمراض ثانية  فتوفاه الله عزّ وجل في مدينة الرياض من يوم الجمعة الشهر التاسع لعام 2020.


ودُفن في مدينة الرياض مقبرة المنصورية قرب الحائر بعد مسيرة حياة حافلة بالجِدّ والمعرفة ومخالطة شريحة كبيرة من الناس في مختلف المناطق التي مشاها وكان لسان الصدق والأدب وحسن السيرة سلاحاً له في حياته ولم يغيّر ذلك لآخر أنفاسه، كان سليم اللسان من كل عيب أو نقيصة  وذو شخصية فريدة تخرجت من هذا البلد الطيّب_السخنة_

نسأل الله له ولموتى المسلمين الرحمة والمغفرة وأن يجعل بيتهم جنات النعيم. 


تبكيكَ عيني أم يعِزُّ بُكاءُ ....وإذا رثيتكَ هلْ يفيكَ رِثاءُ


إنّي غبَطتُ القبرَ حينَ نزلتَهُ....طابَ الثّرى وتَطَيَّبَ النُزَلاءُ


يا من رحلتَ مودّعاً مُستَودِعاً...كيفَ ارتحَلتَ وكيفَ فيكَ عَزاءُ


سَمحٌ كريمُ الطّبعِ ليس بِحاقدٍ...شهِدَ الصّديقُ ويشهدُ الأعداءُ


يعطي بلا مَنٍّ ويجتنِبُ الأذى....وكأنّما قـدرُ الكـرامِ عـطـاءُ


هذا جدّي لو يُفتدى لَـفـديـتُـهُ...بالنفـسِ لكـنْ يُسـتحالُ فِـداءُ


أدعو لهُ بالعَفوِ والغفرانِ ما...خفقَ الفؤادُ وفي الحياةِ رجاءُ


أكرِمْ إلهي من أتاكَ مؤمِّلاً.....أنت الـغـنِـيُّ وكلُّنا فُـقَراءُ


بقلم محمد عواد

هناك تعليقان (2):