السخنة والتحرير والكمأة
يظن البعض أن مدناً وبلدات في البادية السورية تردد اسمها في هذه الحرب البشعة هي حديثة العهد واستوطنها البدو منذ مدة قريبة ، مثل أثريا وخناصر والسخنة.
السخنة التي برّدها الجيش السوري وحلفاؤه ، لمن لا يعرف التاريخ الذي دمرته الهمجيات المتعاقبة وسيطرة الجهل والتخلف ، بلدة تاريخية تحوي قلعة قديمة وجد فيها تمثال للإله الروماني جوبيتر سرقه الأتراك فيما سرقوا من إرث حضاري وديني ، وها هو في أحد متاحف اسطنبول(؟).
ولم تجر في السخنة( Soughana/Soughin) تنقيبات أثرية وافية، لكن فيها كنيسة ومارتيرون(دار الشهداء) وهي على اسم القديس سيرجيوس،وجد في أرضيتها فسيفساء من العهد البيزنطي مزيّنة برسوم هندسية. وخلال الفتح العربي دخلها جيش خالد بن الوليد.
تبعد السخنة عن تدمر حوالي سبعين كيلومتراً إلى الشرق، وهي مركز ناحية مساحتها الإجمالية 13657 كم مربع وعدد سكانها حالياً ،قبل حلول" الربيع العربي" أكثر من 22 ألف نسمة من قبائل بدوية متعددة، أهمها عشيرة بني خلف .
يقول ياقوت الحموي في معجم بلدانه عام 1219 إن اسمها من تأنيث السخن و "يسكنها قوم من العرب " من دون أن يتوسع في الشرح ، لكن ابن بطوطة زارها عام 1304 ووصف بيوتها وعادات أهلها في "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار بأنها " بلدة حسنة أكثر سكانها من النصارى".
وبعد خمسائة عام يصفها فتح الله الصايغ الحلبي في رحلته بأنها "تحوي على مئة بيت من الجمالين بها حمام وماء ساخن" ، ولذلك عرف أهلها بخبرتهم في دروب البادية ، والبدو يُسمّون كل الجمّالين بـ (السخاني) ويتابع و" أهلها فخيرون كرماء و.. نساؤها حسناوات جداً ورجالها شجعان ".
وبسبب موقعها في البادية عادت وتنامت وعمل أهلها بالتجارة، وجراء شح المياه ومنع الزراعة من أجل الثروة الحيوانية (!!!) وعلى فترات متلاحقة كان أهلها يغادرون إلى مدن أخرى، ويسكنون في أحياء خاصة بهم.اشتهرت السخنة بلباس نسائها المميز وبالوشم للنساء والرجال.
ومن الجدير ذكره أن أكثر " الكمأة " التي تصل إلى حمص ، ومنها إلى لبنان هي من السخنة، وأجود أنواعه الزبيدي والخلاسي والجبي ، وأهلها على دُربة في التقاطه في موسمه ،الذي ينهمر بعد موسم الرعود.
رعود الجيش السوري وحلفائه حرروا السخنة ، وطحنوا بقاياها ،وها هم سيكملون طريقهم إلى دير الزور، على أمل أن موسم الرعود الآتي يحمل إلينا الكمأة الحقيقية من السخنة التاريخية..والعزيمة عندي.. والشاي ديري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق